التسليم في الصلاة عند المذاهب الأربعة

التّسليم في الصلاة من الموضوعات التي تناولتها المذاهب الفقهية الأربعة بالتّفصيل، نظراً لتعدّد المسائل المرتبطة بها، وهذا المقال يوضّح أهمّ ما ذهب إليه أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة.

فرضية التّسليم في الصلاة

ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشّافعية والحنابلة على فرضيّة التّسليم للخروج من الصلاة بعد إتمامها، وأنّه لا بدّ يكون بلفظ "السّلام"، وبغير ذلك تبطُل صلاة العبد، وذهب الحنفية إلى أنّ الخروج من الصلاة يحصل بالقيام بأيّ عمل منافٍ لها، ولفظ السلام عندهم واجب، وليس فرضاً.[١]


وبالإشارة إلى مذهب الحنفية يجدر التّنبيه إلى أنّ مصطلح "الوجوب" عندهم يلزم المكلّف القيام به، وأنّه إذا تركه عرّض نفسه للعقاب، وعلى هذا فالفرق بينه وبين الفرض عند الأئمة فرق لفظي إلى حدّ كبير، ولكنّ تعلّق إطلاق لفظ الواجب عند الحنفية مرتبط بما لم يثبت به دليل قطعي، وإنّما ما ثبت وجوبه بدليل مجتهد فيه.[٢]


صيغة التّسليم المطلوبة

تعدّدت أحكام صيغة التسليم المطلوبة في آخر الصلاة، وفيما يأتي بيان آراء المذاهب الفقهية الأربعة بخصوصها:[١]

  • مذهب الحنفية

ذهب الحنفية إلى أن الخروج من الصلاة بلفظ السلام واجبٌ، وليس فرضاً، وقد سبق الإشارة إلى مذهبهم في دلالة لفظ "الواجب"، واستدلّوا على حكم الوجوب وليس الفرضيّة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما علّم عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- التّشهد قال له: (... فإذا قُلْتَ هذا فقد قضَيْتَ صلاتَك إنْ شِئْتَ أنْ تقومَ فقُمْ، وإنْ شِئْتَ أنْ تقعُدَ فاقعُدْ)،[٣]


ووجه الدّلالة في الحديث أنّه -عليه الصلاة والسّلام- لم يأمره بالخروج من صلاته بلفظ السلام، لذا يحصل الخروج من الصلاة عند الحنفية بلفظ السلام وحده بدون كلمة "عليكم"، وأنّه لو خرج من الصلاة بغير السّلام، ولو كان ذلك بالحدث صحّت صلاته مع الإثم، ويلزمه إعادتها، ويأثم إنْ ترك الإعادة.


  • مذهب المالكية

ذهب المالكية إلى أنّه لا بدّ للمصلّي الخروج من الصلاة بالنّص والترتيب الآتي، وهو أنْ يقول: "السلام عليكم"، ويكفيه للإجزاء عندهم أنْ يقولها مرّة واحدة، ويسقط التّلفّظ بها عن العاجز عن النطق.


  • مذهب الشافعية

ذهب المالكية إلى عدم اشتراط الترتيب في ألفاظ السلام؛ فلو قال: "عليكم السلام" صحّ منه، ولكن مع الكراهة.


  • مذهب الحنابلة

ذهب الحنابلة إلى يفترض في حقّ المصلّي أنْ يأتي بالتّسليم مرتين بالنّصّ والتّرتيب الآتي: "السلام عليكم ورحمة الله"، وإلا بطلت صلاته.


الأكمل في صيغة التّسليم

ذهب جمهور أهل الفقه من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّ الأكمل في صيغة التّسليم في آخر الصلاة أنْ يقول المصلّي: "السلام عليكم ورحمة الله" مرّة عن يمينه ومرّة عن يساره؛ واستدلّوا بأدلّة عدّة، منها حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (أنّه كان يُسلّمُ عن يمينِه وعن يسارِه: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ).[٤][٥]


وذهب المالكية: إلى أنّ زيادة "ورحمة الله" بعد "السلام عليكم" لا حرج فيه؛ بل ذكر بعضهم أنّ الأوْلى أنْ يقتصر المصلّي على "السلام عليكم" دون زيادة.[٦]


هل تجزئ تسليمة واحدة آخر الصلاة؟

وتجدر الإشارة إلى أنّ التسليمة الأولى عند المالكية والشافعية والحنابلة ركنٌ من أركان الصلاة، بل ذهب الحنابلة إلى فرضية التّسليمة الثانية،[٧] غير أنّ الرّاجح عند جمهور أهل العلم أنّ التّسليمة الثانية سنّة مستحبّة، وتصحّ الصلاة بدونها.[٨]


وتعقيباً على قول ابن المنذر: "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة، جائزة" يقول ابن قدامة: "وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين، إنّما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 215، جزء 1. بتصرّف.
  2. فريق الموقع (21/11/2014)، "هل هناك فرق بين الواجب والفرض؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2023. بتصرّف.
  3. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1961 ، أخرجه في صحيحه.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:295 ، حسن صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دارالسلاسل، صفحة 183، جزء 11. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت:دار السلاسل، صفحة 183، جزء 11. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت:دار السلاسل، صفحة 314، جزء 11. بتصرّف.
  8. فريق الموقع (13/11/2007)، "إذا سلم الإمام تسليمة واحدة هل يجوز للمأموم أن يسلم تسليمتين؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2023. بتصرّف.
  9. ابن قدامة (1997)، المغني (الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 243، جزء 2.