السترة أمام المصلي

يقصد بالسترة في الصلاة ما يضعه المصلي أمامه من عصا، أو كرسي، أو خشبة، ونحو ذلك؛ لتحديد مكان صلاته، ومنع مرور أحد بين يديْه وهو يصلي، وكفّ بصره عما وراءها، فتكون مانعاً وحائلاً أمامه، فيتمكّن من أداء صلاته بخشوعٍ واطمئنانٍ، دون أن يقطع عليه أحد صلاته بالمرور أمامه،[١][٢] قال -صلى الله عليه وسلم- في صلاته: (إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سترةٍ ، وليدنُ من سترتهِ لا يقطعُ الشيطانَ عليه صلاته).[٣]


حكم وضع سترة أمام المصلي

ذهب جماهير أهل العلم إلى القول أن وضع السترة أمام المصلي سنة مشروعة، إذا كان إماماً أو منفرداً؛ وذلك لأن الأوامر التي أمرت باتخاذ السترة في الأحاديث مصروفة إلى الندب والاستحباب، ولا تعدّ شرطاً من شروط الصلاة، كما أنه لا يلزم من عدم اتخاذها بطلان الصلاة، ولأن الإثم المترتب يكون على المارّ لا المصلي، ولو كانت واجبة لترتّب الإثم على المصلي،[٤] وأما بالنسبة للمأموم فلا بأس بعدم وضع سترة أمامه، فسترة إمامه سترة له، حيث إن سترة الإمام سترة لجميع المؤتمين به خلفه لا يلزمهم سواها.[٥]


صفة السترة وقدرها

يشترط في السترة المجزئة أن يكون طولها مثل طول مؤخرة الرحل فأكثر؛[٦] وهي الخشبة أو العود التي تكون في آخر الرحل، يستند إليها الراكب على البعير؛ دلّ على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: (كُنَّا نُصَلِّي والدَّوَابُّ تَمُرُّ بيْنَ أيْدِينَا فَذَكَرْنَا ذلكَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بيْنَ يَدَيْ أحَدِكُمْ، ثُمَّ لا يَضُرُّهُ ما مَرَّ بيْنَ يَدَيْهِ).[٧][٨]


ومقدار طول مؤخرة الرحل كما قدره الفقهاء ذراع فأكثر؛ وذهب إلى هذا القول جماهير فقهاء الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وقال الشافعية إلى اشتراط أن تكون السترة نحو ثلثي ذراع على الأقل طولاً، وأما بالنسبة لعرض السترة وقدرها في الغُلظ والدقة؛ فلا حدّ لأقلها وأكثرها؛ فلا يشترط فيها عرض محدد؛ فيجوز أن تكون السترة دقيقة؛ كالسهم والحربة، ويجوز أن تكون غليظة كالحائط.[٦][٨]


وقد دلّ على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا خَرَجَ يَومَ العِيدِ أمَرَ بالحَرْبَةِ، فَتُوضَعُ بيْنَ يَدَيْهِ، فيُصَلِّي إلَيْهَا والنَّاسُ ورَاءَهُ، وكانَ يَفْعَلُ ذلكَ في السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ)،[٩] والحربة؛ هي أداة قصيرة من الحديد محددة الرأس، تستعمل في الحرب.[٦][٨]


كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يضع أمامه عنزة سترة له؛ وهي عصا أقصر من الرمح؛ جاء في الحديث: (سَمِعْتُ أبِي: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى بهِمْ بالبَطْحَاءِ وبيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، تَمُرُّ بيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ والحِمَارُ)،[١٠] وقال بذلك الحنفية والشافعية والحنابلة، وقد اشترط المالكية ألا تقل السترة عن غلظ الرمح في عرضها.[٦][٨]



المراجع

  1. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 243. بتصرّف.
  2. محمود عبد اللطيف عويضة، الجامع لأحكام الصلاة، صفحة 153. بتصرّف.
  3. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سهل بن أبي حثمة، الصفحة أو الرقم:713، حديث صحيح.
  4. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 939-940. بتصرّف.
  5. "المبحث الثاني: يتحمَّلُ الإمامُ عنِ المأمومِ السُّترةَ"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2022. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم:499، حديث صحيح.
  7. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 942-943. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 244-245. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:494 ، حديث صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة، الصفحة أو الرقم:495 ، حديث صحيح.