دعاء القنوت في صلاة الوتر

شُرِع في الإسلام في صلاة الوتر دعاءٌ خاصٌ يسمّى بدعاء القنوت، وقد علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي أبي طالب -رضي الله عنه-، إذْ قال: (علَّمَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كلِماتٍ أقولُهنَّ في الوِترِ في القنوتِ: اللَّهمَّ اهدِني فيمَن هديتَ، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ).[١][٢]


شرح دعاء القنوت في صلاة الوتر

تضمّن دعاء القنوت في ثناياه على مقاصد جليلةٍ ومطالب عظيمةٍ، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٣]

  • اللهم اهدِني فيمن هديت

أي يا ربّ دلّني على الحقّ، ووفّقني للعمل به، وهذه هي الهداية النّافعة التامّة التي يتحقّق فيها العلم والعمل، لأنّ الإنسان إذا عرف الحقّ ولم يعمل به كان ذلك وزراً ووبالاً عليه، ومن معاني الهداية في الدعاء أيضاً أن يوفّق الله -تعالى- مَن يدعوه للعمل، وأن يرزقه العلم والبصيرة وبيان الحق.[٤]


  • وعافنِي فيمَن عافيت

وهذا الطلب من المطالب العظيمة التي يسأل العبد فيها ربّه العافية المطلقة، فيشمل ذلك العافية من الكفر والعصيان، ويشمل أيضاً العافية من الأمراض، والعافية من الفِتن والغفلة، والعافية والوقاية من جميع الشرور في الدنيا والآخرة.


  • وتولَّنِي فيمَن تولَّيتَ

أي اللهمّ تولّني بالنصر والتأييد والإعانة والتوفيق والتسديد، وباعد بيني وبين كل ما يُغضبك، ويدلّ عليها أيضاً قول المسلم في نفس الدعاء: "إنَّه لا يَذلُّ من واليت"؛ أي مَن تولّيته يا رب يبقى عزيزاً منصوراً بإذنك، وهذه الولاية خاصَّةٌ بالمؤمنين، وهي تقتضي تأييدهم ونصرهم وحفظهم من جميع الشرور، لذلك يقول الله -تعالى-: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).[٥]


  • وبارك لي فيما أعطيت

يُقصد بالبركة هنا الخير الثابت الكثير الطيّب، ويتضمّن ذلك سؤال البركة في الحياة كلّها، فيشمل الدعاء بالبركة بالولد والمال والمشرب والمطعم والمأوى وغير ذلك، فيدعو المسلم ربّه أن يحفظ له كلّ ذلك، ويوسّع عليه فيه، ويُسلّمه من الشرور والآفات.[٦]


  • وقني شر ما قضيت

يتضمّن هذا الدعاء سؤال الله -عز وجل- أن يدفع عن عبده الشرّ، ويُسلّمه من الآفات، ويحفظه من المصائب والفتن والابتلاءات، وقد يقضي الله -تعالى- بالشرّ لحِكمٍ عظيمة، ولكنّ هذا الشرّ واقعٌ في بعض مخلوقاته لا في فعله ولا في خلقه، إذْ إنّ كلّ فعله وخلقه خيرٌ -سبحانه-، وبعد أن يختم المسلم دعاءه يُثني على الله -تعالى- ويُعظّمه.[٦]


أدعية أخرى في صلاة الوتر

إنّ الدعاء المذكور سابقاً هو الدعاء المشهور في صلاة الوتر والذي يعمل به أكثر أهل العلم والأئمة، وقد جاء في السنة والآثار أدعيةً أخرى يُشرع الدعاء بها في قنوت الوتر، ومن ذلك ما يأتي:[٧]

  • جاء عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ يقولُ في آخرِ وترِهِ: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ من سَخَطِكَ، وبمعافاتِكَ من عقوبتِكَ، وأعوذُ بِكَ منْكَ، لا أُحصي ثناءً عليْكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ).[٨]


  • جاء عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أنّه قال: (...وكان الناسُ يقومون أوَّلَه، وكانوا يَلْعَنونَ الكَفرةَ في النِّصفِ: اللهمَّ قاتلِ الكفرةَ الذين يَصدُّونَ عن سَبيلِك، ويُكذِّبون رُسلَك، ولا يُؤمِنون بوعدِك، وخالِفْ بين كلمتِهم، وألْقِ في قلوبِهم الرُّعبَ، وألْقِ عليهم رِجزَك وعذابَك، إلهَ الحقِّ).


  • ثمّ أكمل عروة بما كان يدعو به عمر -رضي الله عنه-، فقال: (...ثم يُصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَدعو للمسلمين بما استطاعَ من خيرٍ، ثم يَستغفرُ للمؤمنين، قال: وكان يقولُ إذا فرغَ مِن لَعْنه الكفرةَ وصلاتِه على النبيِّ واستغفارِه للمؤمنينَ والمؤمناتِ ومسألتِه: اللهمَّ إيَّاك نَعبُدُ، ولك نُصلِّي ونَسجُد، وإليكَ نَسعَى ونَحفِد، ونرجو رحمتَك ربَّنا، ونخاف عذابَك الجِدَّ؛ إنَّ عذابَك لِمَن عاديتَ مُلحِق، ثم يُكبِّر ويَهوي ساجدًا).


  • من الأدعية التي يدعو بها الأئمة في الوتر أيضاً: "اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، وصلى الله على النبي وآله وسلم".[٩]


وتجدر الإشارة إلى جواز الزيادة على دعاء القنوت المأثور بأدعيةٍ أخرى أو الدعاء بغيره، ولكنّ الأفضل أن يأتي المسلم بالصيغة المأثورة عن النبيّ -صلى الله عليه ولم- والتي علّمها للحسن -رضي الله عنه-،[١٠] ويدلّ على مشروعية الزيادة عليه أو الدعاء بغيره ما جاء بعض الصحابة في قنوتهم، ولأنّ النبيّ علّم الحسن دعاء القنوت من باب التعليم والإرشاد إلى الأكمل لا من باب الوجوب وعدم جواز الزيادة عليه.[١١]

المراجع

  1. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:1744، صححه الألباني.
  2. عبد الرزاق البدر، الذكر والدعاء، صفحة 97.
  3. عبد الرزاق البدر، فقه الأدعية والأذكار، صفحة 171، جزء 3. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، اهدنا فيمن هديت» أي,علم صار علمه وبالاً عليه. شرح دعاء قنوت الوتر، صفحة 2-3. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:257
  6. ^ أ ب عبد الرزاق البدر، أذكار الطهارة والصلاة، صفحة 121-123. بتصرّف.
  7. "القنوت في الوتر"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 17/5/2023.
  8. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:1746، صححه الألباني.
  9. الشرنبلالي، نور الإيضاح ونجاة الأرواح في الفقه الحنفي، صفحة 77.
  10. "حكم الزيادة على الدعاء الوارد في القنوت"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 17/5/2023. بتصرّف.
  11. عدنان العرعور، القنوت، صفحة 136. بتصرّف.