خصّ الله -تعالى- الشريعة الإسلامية بخصائص ومميزات من شأنها أن تجعلها قابلة للثبات والاستمرار ومواكبة حياة البشر وما يتخللها من متغيرات ومستحدثات؛ وذلك لكونها آخر الشرائع السماوية، ومن الخصائص التي امتازت بها الشريعة الإسلامية رفع الحرج عن المكلّفين والتخفيف والتيسير عليهم، وممّا دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،[١] وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ)،[٢][٣][٤] ومن أسباب التخفيف والتيسير في الشريعة الإسلامية السفر الذي من أحكامه الجمع والقصر في الصلاة، وفيما يأتي بيان لمعنى وحكم كل منهما.[٥]


ما معنى جمعاً وقصراً؟

معنى الجمع بين الصلاتين

ويُقصد به تأدية صلاتين في وقت إحداهما لعذر يُبيح الجمع، كجمع صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، ولا يصح الجمع في غير ذلك كجمع الفجر مع الظهر، أو جمع العصر مع المغرب، أو جمع العشاء مع الفجر، وهناك العديد من الأحاديث النبوية التي تدلّ على مشروعية الجمع ومنها ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ)،[٦] وينقسم الجمع إلى نوعين:[٧]

  • جمع تقديم: وهو أن يقوم المصلي بتأدية صلاة العصر بعد صلاة الظهر في وقت الظهر، وكذلك تأدية صلاة العشاء بعد صلاة المغرب في وقت المغرب.
  • جمع تأخير: وهو أن يقوم المصلي بتأخير تأدية صلاة الظهر إلى وقت العصر، أو تأخير تأدية صلاة المغرب إلى وقت العشاء.


معنى قصر الصلاة

ويُقصد به أن يقوم المسلم بتأدية الصلاة الرباعية ركعتين في أثناء سفره، لذا فإنّ القصر لا يكون إلّا في صلاة الظهر، والعصر، والعشاء، وممّا دلّ على مشروعية القصر قول الله -تعالى-: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)،[٨][٩] ويقصد بالضرب في الأرض السفر.


حكم الجمع والقصر

حكم الجمع بين الصلاتين

اتفق الفقهاء على مشروعية جمع صلاة الظهر والعصر جمع تقديم في عرفة، وجمع صلاة المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، بالنسبة للحاج، إلّا أنّه تعددت أقوالهم في الجمع في غير عرفة ومزدلفة، كما يأتي:[١٠][١١]

  • الجمهور: قالوا بجواز الجمع في غير عرفة ومزدلفة، في حال وجود عذر من الأعذار التي أباحتها الشريعة الإسلامية للجمع بين الصلوات، كالسفر والمطر، وغير ذلك.
  • الحنفية: قالوا بعدم جواز الجمع في غير عرفة ومزدلفة.


حكم قصر الصلاة

اتفق الفقهاء على مشروعية القصر، إلّا أنّه قد تعددت أقوالهم في حكمه، كما يأتي:[١٢]

  • الحنفية: قالوا بأنّ قصر الصلاة في السفر فرض، وليس للمسافر الإتمام في الصلاة الرباعية، وقد استدلوا على ذلك بما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ).[١٣]
  • المالكية: قالوا بأنّ قصر الصلاة في السفر سنة مؤكدة.
  • الشافعية والحنابلة: قالوا بجواز قصر الصلاة في السفر، فالمسافر مخيّر بين القصر وتركه، فله أن يقصر وله أن يتمّ.


المراجع

  1. سورة الحج، آية:78
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:39، صحيح.
  3. سمير الحراسيس (3-6-2010)، "رفع الحرج والتيسير في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاته "، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2021. بتصرّف.
  4. مرضي العنزي (19-8-2017)، "رفع الحرج في الشريعة الإسلامية"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2021. بتصرّف.
  5. محمد عبد الغفار، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، صفحة 5. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:705 ، صحيح.
  7. محمد الشوبكي (28-7-2015)، "الجمع بين الصلاتين في الشتاء"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2021. بتصرّف.
  8. سورة النساء، آية:101
  9. مجموعة مؤلفين، موسوعة المفاهيم الاسلامية العامة، صفحة 403. بتصرّف.
  10. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 415. بتصرّف.
  11. عمار بدوي ، الجمع بين الصلاتين وقصر صلاة المسافر، صفحة 80-81. بتصرّف.
  12. عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 407. بتصرّف.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:685 ، صحيح.