سنّ التمييز هو السنّ الذي يكون الصبيّ فيه قادرًا على معرفة مضار الأشياء ومنافعها بوجهٍ عامٍّ،[١] وممتلكًا لقدرٍ من الوعي والإدراك الذي يؤهّله للقيام ببعض التصرّفات، وقد حدّد أغلب الفقهاء بداية سنّ التمييز بسبع سنين، ونهايته ببلوغ الصبيّ؛ فالتمييز هي المرحلة بين سبع سنواتٍ إلى ما قبل بلوغ الصبي.[٢]


إمامة الصبي المميّز

تعدّدت أقوال الفقهاء في حكم إمامة الصبيّ؛ فمنهم من قال بجواز إمامته مطلقًا باستثناء صلاة الجمعة وهو مذهب الشافعية، ومنهم من أجاز إمامته في صلاة النافلة دون الفرض وهو مذهب المالكيّة والحنابلة، ومنهم من لم يُجِزْ إمامته مطلقًا لا في الفرض ولا في النافلة، وهو قول الحنفيّة على الأصح عندهم،[٣] وفيما يأتي تفصيل هذه الأقوال.


القول الأول: جواز إمامة الصبي المميز

ذهب الشافعيّة إلى القول بجواز إمامة الصبي المميز للمصلّين البالغين مطلقًا سواء كانت الإمامة لصلاة الفرض أو لصلاة النافلة، واستدلوا على ذلك بما ورد عن عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- من أنّه أَمَّ قومه في الصلاة وهو ابن ستّ سنين أو سبع سنين؛ لأنّه كان أحفظهم للقرآن الكريم،[٤] كما جاء في الحديث الذي رواه عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ أكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِما كُنْتُ أتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبانِ، فَقَدَّمُونِي بيْنَ أيْدِيهِمْ وأنا ابنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنِينَ)،[٥]واستثنوا من الجواز: إمامة الصبي لصلاة الجمعة؛ فالأصح عندهم أنّ إمامة الصبي المميز لصلاة الجمعة مكروهةٌ.[٦]


القول الثاني: جواز إمامة الصبي المميز في النوافل

ذهب المالكيّة والحنابلة إلى القول بجواز إمامة الصبي المميز للمصلّين البالغين في صلوات النوافل فقط، ولم يَجيزوا له الإمامة في الفرض، ومن صلوات النوافل التي تجوز إمامة الصبي المميز لها: صلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح؛ فلا بأس أن يكون إمامها صبيٌّ مميزٌ وإن كان المصلّون خلفه بالغين، لأنّ النافلة أخفّ من الفرض في الشروط.[٦]


القول الثالث: عدم جواز إمامة الصبي المميز مطلقًا

ذهب الحنفيّة إلى القول بعدم جواز إمامة الصبيّ المميّز مطلقًا لا في صلاة فرضٍ ولا في صلاة نافلةٍ، واستدلّوا على قولهم بالأثر المروي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم- أنّهما قالا: (لا يؤم الغلام حتى يحتلم)،[٧] والاحتلام هو البلوغ، وقالوا إنّ الإمامة أمرٌ يتطلّب الكمال، والصبيّ المميّز ليس من أهل الكمال؛ لما قد يصدر عنه بسبب صغر سنّه من إخلالٍ بشرطٍ من شروط الصلاة، أو خطأٍ في شيءٍ من أحكامها أو في القراءة.[٦]


شروط إمامة الصلاة

حدّد العلماء شروطًا لا بدّ من توافرها في الإمام؛ لتصحّ إمامته للمصلّين، ومن هذه الشروط ما يأتي:[٣]

  • الإسلام: فلا تصحّ إمامة غير المسلم للصلاة.
  • العقل: فلا تصحّ إمامة المجنون، إلّا إن كان يستفيق من جنونه في أحوالٍ وأوقاتٍ؛ فتصحّ إمامته في حال إفاقته.
  • البلوغ: وهو شرطٌ عند الحنفية في كلّ الصلوات، وعند المالكيّة والحنابلة في صلاة الفريضة -كما تمّ تفصيله سابقًا في حكم إمامة الصبي المميز-.
  • الذكورة: فيشترط في الإمام الذي يؤمّ الذكور أن يكون ذكرًا؛ فلا تصحّ إمامة المرأة للرجال.

المراجع

  1. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 513. بتصرّف.
  2. مجموعةٌ من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 157. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 371-372. بتصرّف.
  4. "شرح حديث: لِيُؤمَّكُم أكثرُكم قراءةً للقرآنِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 20/7/2022. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمرو بن سلمة، الصفحة أو الرقم:4302، حديث صحيح.
  6. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1193-1194. بتصرّف.
  7. رواه الذهبي، في المهذب، عن عكرمة مولى ابن عباس، الصفحة أو الرقم:1155، إسناده ضعيف.