مسافة القصر في الصلاة

تعددت أقوال أهل العلم في مقدار المسافة التي يُشرع للمسافر أن يقصر ويجمع في صلاته إن قطعها، وفيما يلي عرض أقوالهم وبيانها:[١][٢]


القول الأول: جمهور الفقهاء

قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن مقدار المسافة التي تُبيح للمسافر أن يقصر ويجمع في صلاته هي مسيرة يومين معتدلين كاملين فأكثر، ويقدر بالمسافة ذهاباً بأربعة بُرُد، أو ستة عشر فرسخاً، أو ثمانية وأربعين ميلاً، وتقدّر بحوال (88 كم)، مستدلين على ذلك بقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما: "يا أهلَ مَكَّةَ، لا تَقْصُروا في أقلَّ مِن أربعةِ بُرُد، وذلِك مِن مَكَّةَ إلى الطَّائفِ وعُسْفَانَ".


ولِما رُوي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنهما كانا يُصليان ركعتين، ويُفطران في أربعة بُرُد فما فوق، ولأنّ هذه المسافة تجمع مشقة السفر، ويتكرر في هذا القدر مشقة الشدّ والترحال، ولا تتكرر فيما دونه.


القول الثاني: الحنفية

قال الحنفية أن مقدار المسافة التي تُبيح للمسافر أن يقصر ويجمع في صلاته هي مسيرة ثلاثة أيام بلياليها فأكثر، من أقصر أيام السنة في البلاد المعتدلة، ولا يصح القصر في أقل من هذه المسافة، واستدلوا على هذه المسافة القياس على مدة المسح على الخفّين للمسافر، وهي ثلاثة أيام بلياليها، وهو في نص الحديث الصحيح الصريح: (أَتَيْتُ عائِشَةَ أسْأَلُها عَنِ المَسْحِ علَى الخُفَّيْنِ، فقالَتْ: عَلَيْكَ بابْنِ أبِي طالِبٍ، فَسَلْهُ فإنَّه كانَ يُسافِرُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَأَلْناهُ فقالَ: جَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ولَيالِيَهُنَّ لِلْمُسافِرِ، ويَوْمًا ولَيْلَةً لِلْمُقِيمِ).[٣]


القول الثالث: بعض أهل السلف

قالوا إنه ليس هناك حدّ أو توقيت لتقدير المسافة، وأن المرجع في ذلك هو العُرف، فما سمّاه العرف سفراً صار سفراً يجوز قصر الصلاة فيه، طويلاً كان أو قصيراً، وهذا هو مذهب الظاهرية، واختاره ابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، وابن عثيمين، والألباني -رحمهم الله-، وقد استدلوا على ذلك بإطلاق نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم تقييد قصر الصلاة في السفر بمسافة معينة، أو بزمن محدّد.[٤]


ومن هذه النصوص الشرعية، قول الله -تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا)،[٥] حيث جاءت الآية مطلقة في قصر الصلاة في كل ضرب في الأرض؛ وهو السفر.


حكم من شكّ في قدر مسافة القصر

إن من شكّ في قدر المسافة، هل هي مسافة قصر أم لا، يجب عليه في هذه الحالة الإتمام، فلا يقصر في صلاته، وهذا هو ظاهر المذهب المالكي،[٦] ونصّ عليه الشافعي،[٧] وفقهاء الحنابلة؛[٨] وذلك لأن الأصل وجوب الإتمام فلا يزول بالشكّ، وأن الأصل الإقامة حتى نتحقق أنه سفراً، وإن في إتمام الصلاة براءة للذمة.[٤]


المراجع

  1. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1342-1344. بتصرّف.
  2. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 408-409. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بين أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 276، صحيح.
  4. ^ أ ب "المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 3/7/2022. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية:101
  6. الخرشي، شرح الخرشي على مختصر خليل، صفحة 60. بتصرّف.
  7. النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 323. بتصرّف.
  8. ابن قدامة، المغني، صفحة 110. بتصرّف.