يمرّ الإنسان في حياته بمواقف وأحاديثٍ تستدعي منه أن يختار أو يحسم أمره بقرارٍ في أمورٍ تحيّره وتشغله، فيلجأ عندها للبحث والاستشارة، ويطمئن قلبه باللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء وبأداء صلاة الاستخارة، والاستخارة معناها: طلب الخيرة في الأمر من الله -تعالى- بالصلاة والدعاء،[١] ومن بين الأمور التي يستشير ويستخير المسلم لها: الزواج، وفيما يأتي بيانٌ لكيفيّة صلاة ودعاء الاستخارة للزواج، وبعض ما يتّصل بصلاة الاستخارة من مسائل وأحكامٍ.


صلاة الاستخارة للزواج

كيفية أداء صلاة الاستخارة

إنّ أوفق كيفيَّةٍ لصلاة الاستخارة ما اتّفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة؛ بأن يؤدّي المستخير ركعتين من غير الفريضة، وأجاز الشافعيَّة أن يزيد على الركعتين، ويؤدّي الركعتين كما يؤدّي ركعتي أي سنَّةٍ من السنن، وأمّا ما يُقرأ فيهما؛ فجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة على استحباب قراءة سورة الكافرون في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وقراءة سورة الإخلاص في الركعة الثانية بعد الفاتحة، وذهب بعض السلف إلى استحباب أن يُقرأ في الركعة الأولى قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)،[٢] وما بعدها، وأن يقرأ في الركعة الثانية قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).[٣][٤]


وبعد أن يسلّم المصلي من ركعتي صلاة الاستخارة؛ فإنّه يدعو دعاء الاستخارة المأثور عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويسمّي حاجته التي يستخير لأجلها -وهي هنا الزواج-، ودعاء الاستخارة المأثور هو: (اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ)،[٥] ثمّ يُقدم بعدها المستخير على ما يطمئن وينشرح له صدره، ويتوكّل على الله -تعالى- فيما يقدّره له.[١]


حكم صلاة الاستخارة

أجمع العلماء أنّ الاستخارة سنَّةٌ؛ فيستحبّ لكلّ مسلمٍ مقبلٍ على أمرٍ أو متحيِّرٍ في أمرٍ مهما كبر أو صغر؛ فقد علّم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك؛ بدليل قول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ)؛[٥][٤] فيصلّي المسلم الاستخارة في أموره الدنيويَّة؛ كالزواج والسفر، والموافقة على عملٍ ونحو ذلك، كما يتخير فيما يرتبط ويتعلّق ببعض الأمور الدينية -لا في الأمور الدينية ذاتها- بل بعض ما يتعلّق بها كالاستخارة في وقت السفر لأداء العمرة أو بالمقدار الذي يخصصه لوقفٍ أو صدقةٍ مثلًا.[٦]


هل يكرّر المسلم صلاة الاستخارة؟

يُفهم من كلام الفقهاء أنّ المسلم متى ما استخار الله -تعالى-؛ فاطمئن قلبه لأمرٍ؛ فإنّه يمضي به ولا يحتاج لإعادة وتكرار الاستخارة، وإذا لم يظهر له شيءٌ أو يطمئن قلبه لشيءٍ؛ فله أن يكرّر الاستخارة سبع مرَّاتٍ في أوقاتٍ أُخرى، وقال الشافعيَّة بجواز الزيادة على السبع مرَّاتٍ إن لم يطمئن لشيءٍ، أو يظهر له أمرٌ فيما يستخير له.[٤]


المراجع

  1. ^ أ ب محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 698-699. بتصرّف.
  2. سورة القصص، آية:68
  3. سورة الأحزاب، آية:36
  4. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 241-246. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:6382، حديث صحيح.
  6. عقيل بن سالم الشهري، صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية، صفحة 17. بتصرّف.