حكم إمامة المسبوق

تناول أهل الفقه مسألة إمامة المسبوق، وتعدّدتْ آراؤهم فيها تبعاً لاعتبارات عدّة، منها تغاير فهم النصوص الشرعية وتوجيه دلالاتها، وفيما يأتي توضيح للمسألة:[١]

  • ذهب الحنفية إلى أنّ إمامة المسبوق لا تصحّ، وبناء عليه لا يجوز الاقتداء به بعد قيامه لإتمام صَلاتِه.
  • وافق المالكية الحنفيةَ في رأيهم على تفصيل في المسألة؛ فقالوا: إذا كان المسبوق قد أدركَ مع إمامِه ركعة لا يصحّ الاقتداء به، أمّا إنْ أدْرَك أقلَّ من ركعة جاز، وصحّ الاقتداء به.
  • ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز إمامة المسبوق لغيره؛ فمن اقتدى بمأموم مسبوق بعد تسليم الإمام صحّت إمامة المسبوق، وصحّ الاقتداء به، واستثنوا من ذلك صلاة الجمعة؛ لاختلاف أحكامها.


وعند الحنفية أنّه لو اقتدى مصليّان مسبوقان بالإمام، وبعد سلام الإمام تابع أحدهما الآخر ليس بنيّة الاقتداء، وإنما ليتذكّر ما فاته فصلاته صحيحة، وذهب المالكيّة أيضاً إلى أنّ المسبوق إنْ حاكى مسبوقا آخر في صورة إتمام الصلاة بعد سلام الإمام فصلاته صحيحة، ولكن بشرط أن لا ينوي الاقتداء به.[١]


أدلة جواز إمامة المسبوق

استدلّ القائلون بجواز إمامة المسبوق بعدّة أدلة، ولعلّ أبرزها أنّ المسبوقَ أصبح بعد تسليم الإمام منفرداً، وبناءً عليه يجوز الاقتداء، فضلاً عن أنّ الحكم بالجواز يعني أنّ المقتدي بالمسبوق سيتحصّل على فضل صلاة الجماعة.[٢]


ويؤكّد هذا ما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قوله: (أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أبصرَ رجلًا يصلِّي وحدَهُ، فقالَ ألا رجُلٌ يتصدَّقُ على هذا فيصلِّيَ معَهُ).[٣][٤]


وإضافة إلى ما سبق قالوا بأنّه لا يشترط عقد نية الإمامة عند الشّروع في الصلاة، لذا جازت إمامة المسبوق، حيث قام الدليل على صحّة انتقال المصلّي من حال كونه منفرداً إلى كونه إماماً، ومن كونه إماماً إلى كونه مأموماً.[٥]


ولعلّ الرّاجح في المسألة عند المحقّقين من أهل العلم جواز إمامة المسبوق، مع الإشارة إلى ضرورة عدم التّعصب لرأي بما أنّ المسألة تعدّدت فيها الآراء؛ ولا ينكر أحدٌ على أحدٍ في مختلَفٍ فيه،[٦] لذا من أخذ بأحد الرأيين فلا بأس عليه، وخروجاً من الخلاف في المسألة يرى بعض أهل العلم أنّ الأفضل ابتداء جماعة جديدة إنْ تيسّر ذلك، والله تعالى أعلم.[٧]


والمجيزون من أهل العلم وغير المجيزين لإمامة المسبوق متّفقون على أنّه لا يجوز أنْ يقتدي مسبوق بمأموم قبل تسليم الإمام الأوّل؛ وذلك لاستحالة كونه تابعاً ومتبوعاً في نفس الوقت.


ولا يخفى أنّ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى أنْ يأتي المسلم صلاة الجماعة تحفّه السّكينة دونما عجلة؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فلا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فَاتَكُمْ فأتِمُّوا).[٨][٩]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 375-376، جزء 1. بتصرّف.
  2. خالد الرفاعي (14/10/2020)، "حكم الاقتداء بالمسبوق"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:574 ، صحيح .
  4. فريق الموقع (21/10/2001)، "إمامة المسبوق"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2023. بتصرّف.
  5. فريق الموقع (28/9/2019)، "اقتدى بمسبوق وجاء من اقتدى به فصار مأموما إماما"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2023. بتصرّف.
  6. "إمامة المسبوق والاقتداء به"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  7. قسم الفتاوى (28/7/2020)، "حكم إمامة المسبوق"، دائرة الشؤون الإسلامية دبي، اطّلع عليه بتاريخ 29/3/2023. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:908 ، صحيح.
  9. المفتي أحد الكساسبة (24/12/2017)، "مختصر أحكام صلاة المسبوق"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2023. بتصرّف.