أول من جعل للجمعة أذانَيْن

إنّ أوّل مَن جعل للجمعة أذانيْن هو الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه-،[١] فقد أخرج البخاري في صحيحه قول السائب بن يزيد -رضي الله عنه-: (إنَّ الأذَانَ يَومَ الجُمُعَةِ كانَ أوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ يَومَ الجُمُعَةِ علَى المِنْبَرِ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنْهمَا، فَلَمَّا كانَ في خِلَافَةِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، وكَثُرُوا، أمَرَ عُثْمَانُ يَومَ الجُمُعَةِ بالأذَانِ الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ به علَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأمْرُ علَى ذلكَ).[٢]


وقد سمّى السائب بن يزيد الأذان الذي زاده عثمان -رضي الله عنه- بالأذان الثّالث لأنّه عدّ الإقامة أذاناً؛ لاشتراكهما في الإعلام والنِّداء، فالأذان الأول هو الأذان الذي زاده عثمان -رضي الله عنه-، ثمّ يأتي الأذان الثاني عند دخول وقت الصلاة،[٣] ثمّ تكون الإقامة للصلاة بعد خطبة الجمعة، ويُقصد بالزّوْراء: المكان المرتفع في المدينة، أو سطح الدّار التي كان المؤذّن يؤذّن عليها.[٤]


مشروعية الأذانَيْن ليوم الجمعة

اتّفقت المذاهب على مشروعيّة الأذانيْن لصلاة الجمعة،[٥] ذلكم أنّ عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- هو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا النبيّ الكريم بالاقتداء بهم واتّباع سنّتهم، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْديِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ)،[٦] وقد كان الصحابة الكرام يعتبرون بالمصالح المرسلة، ومن ذلك قيامهم بجمع القرآن الكريم وتدوينه، وتوسيع مسجد النبيّ الكريم، وكذا الأمر بجعل أذانين لصلاة الجمعة.[٧]


ويوجد أصلٌ في السنة النبوية الشريفة يؤكّد مشروعية ما أمر به عثمان -رضي الله عنه-، فقد شُرِع في رمضان أذانين؛ يؤذّن بأحدهما بلال -رضي الله عنه-، وبالآخر ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ بلالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى تَسْمَعُوا أذانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ)،[٨] ولم يُنكر أحدٌ من الصحابة -رضوان الله عليهم- على عثمان -رضي الله عنه- ما أمر به،[٩] فأصبح إقرارهم كالإجماع السّكوتي.[١٠]


وقد أبقى عثمان -رضي الله عنه- وقت أذان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما هو، ويرى أهل العلم أنّ الأمر في ذلك واسع، فمَن جعل للجمعة أذاناً واحداً تمسُّكاً بسنّة النبيّ الكريم وأبي بكر وعمر فقد أصاب السنّة وعمل بها، ومَن جعل لها أذانَيْن اقتداءً بخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان ومَن وافقه من المهاجرين والأنصار فقد عمِل بالسّنة أيضاً للأحاديث الدّالة على هذا الشّأن.[١١]


الحكمة من مشروعية الأذانَيْن لصلاة الجمعة

كان الأذان في زمن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للإعلام بوقت دخول صلاة الجمعة، ولكن لمّا كثُر النّاس، وتباعدت أماكنهم، وانشغلوا بالأسواق؛ رأى عثمان -رضي الله عنه- أنْ يزيد أذاناً ثانياً لصلاة الجمعة يُنادى به على مكانٍ عالٍ.[١٠]


والهدف من ذلك هو تنبيه الناس في الأسواق إلى الصلاة، وتذكير المسلمين بالتجهّز إليها،[١٢] وحثّهم على ترك ما بأيديهم من الأشغال الدنيوية والاستعداد والمسارعة لصلاة الجمعة، وعادةً ما يكون الأذان الأول قبل دخول وقت الجمعة بنحو نصف ساعةٍ إلى ساعة؛ حتى تتحقّق الفائدة المرجوّة التي قصدها الخليفة عثمان -رضي الله عنه-.[١٣]



مواضيع أخرى:

من أول مؤذن في الإسلام؟

صيغة الأذان وألفاظه

المراجع

  1. عبد الله الطيار، وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة، صفحة 415، جزء 1. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن السائب بن يزيد، الصفحة أو الرقم:916، صحيح.
  3. ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، صفحة 350، جزء 12. بتصرّف.
  4. "شرح حديث زيادة الأذان في عهد عثمان"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2023. بتصرّف.
  5. "مشروعية الأذانين لصلاة الجمعة"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2023. بتصرّف.
  6. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم:337، صحيح.
  7. القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، صفحة 4087، جزء 9. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1092، صحيح.
  9. ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 124، جزء 16. بتصرّف.
  10. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى دار الإفتاء المصرية، صفحة 87، جزء 1. بتصرّف.
  11. "هل السنة أن يؤذَّن للجمعة أذانان أم واحد"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2023. بتصرّف.
  12. "مشروعية الأذانين لصلاة الجمعة"، دائرة الإفتاء الأردني، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2023. بتصرّف.
  13. "متى يكون الأذان الأول للجمعة قبل الوقت أو بعده؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2023. بتصرّف.