الحكمة من وجود أذانين للفجر

السُّنّة أن يؤذّن للفجر أذانان؛ الأوّل قبله، والأذان الثاني عند أوّل دخول وقت صلاة الفجر، وقد ذكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحكمة من أذانيّ الفجر في قوله: (لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ -أوْ أحَدًا مِنكُم- أذَانُ بلَالٍ مِن سَحُورِهِ، فإنَّه يُؤَذِّنُ -أوْ يُنَادِي بلَيْلٍ- لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، ولِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ).[١]


وبناءً على ذلك نوضّح الحكمة من وجود أذانٍ أوّل للفجر قبل طلوعه فيما يأتي:[٢]

  • إيقاظ النّائم وإعلامه بقرب وقت صلاة الفجر، حتّى يقوم ويتوضّأ ويتجهّز للصلاة.
  • إعلام المتهجّد بقرب وقت الفجر، فإذا كان يُقيم الليل أكمل ما بقي من صلاته، واستراح قليلاً حتى يذهب إلى صلاة الفجر بنشاطٍ.
  • إعلام الصائم بقرب وقت طلوع الفجر؛ حتّى يُكمل طعامه، ويستعدّ للإمساك عن المفطّرات قبل الفجر؛ ذلك أنّ الصيام له تعلُّقٌ بوقت الفجر، سواءً كان فرضاً أم نفلاً، ويمتدّ وقت الطعام والشراب إلى حين الأذان الثاني.[٣]


وقد كان بلال -رضي الله عنه- يؤذّن الأذان الأول، أمّا الأذان الثاني، فيؤذّن به ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه-، وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه: (إنَّ بلَالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ)،[٤] وهذا يعني أنّ الأذان الثاني هو الوقت الذي يدخل فيه وقت صلاة الفجر؛ فيُمسك المسلم من تلك اللحظة عن الطعام والشراب وسائر المفطّرات.


مشروعية الأذان الأول للفجر

يتبيّن من الأحاديث النبوية السّابقة مشروعيّة وجود أذانٍ أوّل قبل دخول وقت صلاة الفجر، ويقول ابن قدامة -رحمه الله- بعد أن ذكر حديث النبيّ الكريم عن أذانيّ الفجر: "وهذا يَدُلُّ على دَوَامِ ذلك منه -أي الأذان الأول من بلال رضي الله عنه-، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقَرَّهُ عليه، ولم يَنْهَه عنه، فثَبَتَ جَوَازُه".[٥]


وجمهور أهل العلم على أنّ الأذان الأول مشروعٌ للفجر على وجه الخصوص؛ للحِكم المذكورة سابقاً، أمّا غيرها من الصلوات فلا يُشرع فيها أذانٌ قبل دخول الوقت، ويرى جمهور أهل العلم أيضاً أنّ الأذان الأوّل للفجر لا يختصّ فقط في شهر رمضان المبارك، بل يكون في جميع أيام السنة، إذ لا يرتبط بالسّحور فقط، بل لإيقاظ المسلم للتجهّز للصلاة كذلك، وظلّ الأمر كذلك في زمن النبي الكريم.[٦]


وقت أذان الفجر الأول

ذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف من الحنفية إلى جواز الأذان الأول قبل دخول وقت الفجر، ويكون في النّصف الأخير من الليل عند كلٍّ من الشافعية والحنابلة وأبي يوسف، وفي السّدُس الأخير من الليل عند المالكية،[٧] ورجّح عدد من أهل العلم أنّ وقته لا يكون إلا قبل طلوع الفجر الصادق بوقتٍ يسير، فقد قال ابن عمر -رضي الله عنهما- عندما ذكر حديث النبيّ الكريم عن أذانيّ بلال وابن أمّ مكتوم -رضي الله عنهما-: "ولَمْ يَكُنْ بيْنَهُما إلَّا أنْ يَنْزِلَ هذا ويَرْقَى هذا".[٨]


ويدلّ على ذلك أيضاً قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ -أوْ أحَدًا مِنكُم- أذَانُ بلَالٍ مِن سَحُورِهِ...)،[٩] وهذا يعني أنّ الناس كانوا يخشون أن يلتبس عليهم الأذان الأول والثاني، لأنّ الوقت بينهما يسير، فالوقت بين الأذان الأول والثاني إذاً هو بقدْر ما يستريح به المتهجّد، ويقوم به النّائم ليتوضّأ ويتجهّز للخروج إلى الصلاة، ويَطعم فيه مَن يريد الصوم، فيكون قدراً كافياً لسحوره.[١٠]

المراجع

  1. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:621 ، صحيح.
  2. هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، أبحاث هيئة كبار العلماء، صفحة 25، جزء 4. بتصرّف.
  3. الطبراني، المعجم الأوسط، صفحة 282، جزء 1. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:622، صحيح.
  5. ابن قدامة (1997)، المغني (الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب، صفحة 63، جزء 2.
  6. فريق الموقع، /ما-حكم-آذانان-الفجر/ "حكم أذانا الفجر وأثرها على الصائم"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 23/2/2023. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دارالسلاسل، صفحة 363، جزء 2. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1092، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:621، صحيح.
  10. حمد الحمد ، شرح زاد المستقنع، صفحة 66-67. بتصرّف.