ماذا يقرأ في صلاة العصر؟

يُشرع للمسلم أنْ يقرأ ما تيسّر له من آيات القرآن الكريم في الركعة الأولى والثانية بعد سورة الفاتحة،[١] استناداً لما صحّ في الحديث الذي رواه (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ بأُمِّ الكِتَابِ وسُورَةٍ معهَا في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِن صَلَاةِ الظُّهْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ويُسْمِعُنَا الآيَةَ أحْيَانًا وكانَ يُطِيلُ في الرَّكْعَةِ الأُولَى).[٢]


وتجدر الإشارة إلى أنّ الأصل في صلاة العصر التّخفيف، خصوصاً للإمام في صلاة الجماعة، حيث صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ؛ فإنَّ منهمُ الضَّعِيفَ والسَّقِيمَ والكَبِيرَ، وإذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ ما شَاءَ)،[٣] كما أنّ القراءة في صلاة العصر تكون أخفّ من القراءة في صلاتي الفجر والظهر؛ فالمأثور من قراءة النبي الكريم فيها متعدّد، فأحيانًا تكون قراءته فيها نحو قراءته في الظهر، وأحيانًا نصف ما يقرأه في الظهر، وهذا يدلّ على أنّ في الأمر سَعَة.[٤]


وممّا جاء في قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاة العصر ما رواه جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقرَأُ في الظُّهرِ والعصرِ: والسَّماءِ ذاتِ البُروجِ، والسَّماءِ والطَّارقِ وشِبهِهما).[٥]


مذاهب الفقهاء فيما يستحب قراءته في صلاة العصر

السؤال المطروح هل يستحبّ قراءة آيات أو سور محدّدة في صلاة العصر؟ والجواب أنّ أهل الفقه لهم في المسألة آراء متعدّدة، ولكنّها متقاربة؛ وظهر التّعدد نتيجة للأحاديث التي استندوا لها، وإيجاز المسألة فيما يأتي:[٦]


  • القول الأول: القراءة من أوساط المفصّل

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنّه يُسنّ للمصلي أنْ يقرأ في أوّل ركعتين في صلاة العصر بعد الفاتحة بسور من أوساط المفصّل، وسور المفصّل عند الحنفية تبدأ من سورة الحجرات، وأوساط المفصل السّور الآتية: (البروج، الطارق، الأعلى، الغاشية، الفجر، البلد، الشمس، الليل، الضحى، الشرح، التين، العلق، القدر، البينة) وما بعدها من السّور تسمّى قصار المفصّل، وأوساط المفصّل عند الشافعية تقدّر بما كانت عدد آياته قريبة من سورة الشّمس وسورة الليل.[٧]


  • القول الثاني: القراءة بالقصار من السّور

ذهب المالكية إلى أنّه يستحب للمصلي أنْ يقرأ بقصار السّور مثل: "الضحى" و "القدر"، وذلك بعد الفاتحة في أوّل ركعتين في صلاة العصر.


  • القول الثالث: القراءة بنصف مقدار القراءة في صلاة الظهر

ذهب الحنابلة إلى استحباب القراءة بنصف مقدار القراءة في صلاة الظهر، ودليلهم ما صحّ عن أبي سعيد الخدري: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ في صَلاةِ الظُّهْرِ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ في كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً،... وفي العَصْرِ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ في كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِراءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً،...).[٨]


وعلى هذا التّحقيق فالحنابلة متّفقون إلى حدّ كبير مع ما ذهب إليه الحنفية والشافعية،[٤] مع الإشارة إلى أنّ جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أنّ الإسرار في القراءة -عدم الجهر- في صلاتي الظهر والعصر سنّة، وعدّ الحنفية الإسرار فيهما واجباً.[٦]


والجامع المشترك بين كل أقوال المذاهب هو التّخفيف على المصلين وعدم الإطالة إطالةً تشقّ على الضعيف والكبير والمريض وصاحب الحاجة.

المراجع

  1. الشيخ ابن باز، "ما السنة في القراءة في صلاة الظهر والعصر؟"، موقع الشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 5/3/2023. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:778، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:703 ، صحيح.
  4. ^ أ ب الدبيان (1441)، الجامع في أحكام صفة الصلاة (الطبعة 1)، صفحة 195، جزء 3. بتصرّف.
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم:307، حسن صحيح.
  6. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر:مطابع دار الصفوة، صفحة 313، جزء 27. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر:مطابع دار الصفوة، صفحة 48، جزء 33. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:452 ، صحيح.