فرض الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، ومن هذه الصلوات ما يُجهر بالقراءة فيها، وهي الصلوات التي تؤدّى في الليل: صلاة المغرب، والعشاء والفجر، ومن هذه الصلوات ما يُسِرُّ المصلّي بالقراءة فيها، وهي: صلاتا الظهر والعصر،[١] وفيما يأتي بيانٌ لبعض الحِكم التي ظهرت للعلماء من جعل الله -تعالى- لصلوات الليل صلواتٍ جهريَّةً، وتوضيحٌ لحكم الجهر في الصلوات الجهرية وكيفيّة ومقدار الجهر.


الحكمة من كون صلوات الليل جهريَّةً

يغلب على الأحكام المتعلّقة بالصلوات؛ كعددها، وعدد ركعاتها، ومواقيتها، وكيفيَّة أدائها أنّها أمورٌ توقيفيَّةٌ تعبديَّةٌ؛ أي أنّه لم يأتِ في القرآن الكريم أو السنة الشريفة نصٌّ محدَّدٌ يبيّن الحكمة من كونها كذلك، وعلى المسلم أن يلتزم ويمتثل أمر الله -تعالى- فيها إن لم يعرف الحكمة من ورائها؛ إيمانًا منه أنّ هذه الأحكام صادرةٌ عن حكيمٍ خبيرٍ، ومن العلماء من حاول الاجتهاد في تلمّس واستنباط بعض المعاني والحِكم المتّصلة ببعض أفعال الصلاة، ومن ذلك: الحكمة من كون صلوات الليل جهريَّةً، وفيما يأتي ذكرٌ لأبرز المعاني والحِكم التي توصّلوا لها:[٢]

  • استشعار وإظهار لذّة مناجاة الله تعالى: فالليل وقتٌ يقضيه كثيرٌ من الناس في السهر والسمر، والاستمتاع بملذَّاتٍ مختلفةٍ؛ فناسب أن يعمر المسلم ليله، ويستلذ به في مناجاة الله -تعالى- بقراءة القرآن في صلوات الليل جهرًا، والاستئناس بالتلاوة أثناء الصلاة.
  • لكون الليل وقت سكونٍ وخلوةٍ: فيتناسب مع وقت السكون والخلوة والفراغ من المشاغل التي ينشغل بها الإنسان نهارًا؛ أن يُعمر خلوته بمناجاة الله -تعالى- بالقراءة الجهريّة في الصلاة.
  • خشوع القلب في الليل يكون أكبر: فيتوافق ويحضر عند القراءة جهرًا؛ القلب، واللسان، والأذنان.


من أحكام الجهر بالصلاة

حكم الجهر في الصلاة الجهريّة

الجهر في صلاة الجماعة

ذهب جمهور الفقهاء من المالكيَّة والشافعيّة والحنابلة إلى القول بأنّ جهر الإمام بالقراءة في الصلوات الجهريَّة سنَّةٌ، في حين ذهب الحنفيّة إلى القول بأنّ الجهر في الصلاة الجهريّة واجبٌ على الإمام، فيجب عليه الجهر بالقراءة في كلّ صلاةٍ جهريَّةٍ؛ كالفجر والمغرب والعشاء، والاستسقاء والجمعة والعيد، والتراويح، مستدلّين على قولهم بالوجوب؛ بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- واظب على الجهر بالقراءة في إمامته للصلوات الجهريّة.[٣]


الجهر للمنفرد

ذهب المالكيّة والشافعيّة والإمام أحمد في روايةٍ عنه إلى القول بأنّ الجهر للمنفرد في الصلوات الجهريّة سنَّةٌ، وذهب الحنفيّة والمذهب عند الحنابلة أنّ المنفرد مخيَّرٌ في الصلاة الجهريّة بين الجهر بالقراءة أو الإسرار بها، وعند الحنفيَّة أنّه لا يزيد في الجهر عن القدر الذي يُسمع فيه نفسه، وألّا يبالغ في الجهر كما يفعل الإمام في صلاة الجماعة.[٣]


محل وكيفيّة الجهر

إنّ الجهر في الصلوات الجهريّة موضعه الركعتان الأولتان من صلاتي المغرب والعشاء، وركعتا الفجر،[٤] أمّا عن قدر الجهر بالصوت في القراءة؛ فقد فهم العلماء من الروايات الواردة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ أنّ الجهر بالصوت في القراءة يكون باعتدالٍ، أي أنّ على المصلّي ألّا يُبالغ في رفع صوته، فيزعج من حوله أو يؤذيهم، بل يرفعه بالقدر الذي يسمع نفسه إن كان منفردًا، وبالقدر الذي يُسمع المصلّي معه إن كان إمامًا في جماعةٍ؛ فعلى المصلّي أن يكون معتدلًا؛ فلا يرفع صوته بصورةٍ مبالغٍ فيها، ولا يُخفته بصورةٍ لا يسمع نفسه أو من يُصلي معه.[٥]

المراجع

  1. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 289. بتصرّف.
  2. "الحكمة من الجهر في الصلوات الليلية والإسرار في الصلوات النهارية"، الإسلام سؤال وجواب، 29/12/2004، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2022. بتصرّف.
  3. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 183-184. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن بن قاسم، حاشية الروض المربع، صفحة 18. بتصرّف.
  5. حمود عبد اللطيف عويضة، الجامع لأحكام الصلاة، صفحة 184-1886. بتصرّف.